الإنسان، حوار بين ذئب و حفيده

       يحكى أن ذئبا صغيرا جلس مع جده مرة يتحاكيان، فالجرو الصغير يسأل و الجد يحكي له عن حگم الزمان. فسأله الصغير:

ذئب و ابنه

- جدي، أخبرني عن الإنسان.

-الجد: الإنسان يا ولدي مخلوق من مخلوقات الله گأنا و أنت، يعيش معنا على الأرض و يأكل كما نأكل و يتكاثر كما نتكاثر، لكن الله ميزه عنا بالعقل و الفطرة يا ولدي، فنحن لنا غريزة و هو لديه فطرة فطره الله عليها.

-الجرو: و ما هو العقل و الفطرة؟

- الجد: العقل هو ما يميز به الإنسان بين الصواب و الخطأ، و بين الخير و الشر، و هو ما يستطيع به أن يتطور و يغير من حياته، أما رأيتهم يصنعون أشياء جديدة و يلبسون ما يقيهم البرد و يبنون البيوت و يزرعون الزرع ... إن العقل هو ما يفعلون به كل ذلك. أما الفطرة يا بني فهي ما فطر الله الإنسان عليه، و هي معرفة الله و حب الخير و نبذ الشر و اتباع الحق و الإبتعاد عن الباطل.

- الجرو: و هل فطرتهم تدعوهم لقتل بعضهم؟

- الجد: لا يا بني، إن فطرة الله لا تدعو لقتل النفس، فذلك من الشر، و لكن الإنسان دون سائر المخلوقات له حرية الإختيار بين فعل الخير و الشر، و من الناس من يغلبه الشيطان فينحرف عن فطرته فتراه فاعلا للشر، كالقتل و الظلم و العدوان ...

- الجرو: جدي، هل نحن الذئاب مخلوقات شريرة؟

- الجد: لا يا بني، نحن لسنا أشرارا، لكن لم قلت هذا؟

- الجرو: لقد سمعت إنسانين يتحدثان مرة عن رجل شرير فقال أحدهما: إنه أشر من الذئب و أعطش للدماء منه.

- الجد: إيه يا ولدي! إن الإنسان دائما ما ينسب صفة الشر و سفك الدماء لنا نحن الذئاب، و ما لنا خطأ في ذلك، فغريزتنا تدعونا لنصطاد فنسفك الدم لنأكل لنعيش، فالله خلقنا هكذا و ما انحرفنا، و الله يعلم لماذا خلقنا هكذا، و لكن بني الإنسان ينسبون لنا صفات الشر إذا ما فعلها أحد منهم، لكنا معشر الذئاب لا يقتل بعضنا بعضا مثلهم، بل نقتل غيرنا من الحيوانات التي نأكلها، و كذلك هم يقتلون الدجاج و الغنم و البقر ليأكلوها و ما علينا و لا عليهم عيب في ذلك، فدم الإنسان له حرمة لكن دم الحيوان لا حرمة له لأن الله خلقه من أجل الإنسان و لخدمته، هذه حكمة الله، لكنهم يفترون علينا و على كثير من الحيوانات، فيقولون للقاتل ذئبا، و للماكر الخداع ثعلبا، و للغبي حمارا، و للمتوحش دبا، و للجبان أرنبا ...  و ليتهم يقولون وفي كالكلب، أو شريف كالذئب، أو رزين كالحمار...

- الجرو: جدي لماذا يقتل الإنسان أخاه الإنسان؟

-سؤال تطول الإجابة عنه و اعتراني التعب فأنا شيخ كما ترى.. في الغد أخبرك.


لم ينس جرو الذئب الصغير مسألته التي سأل جده عنها في        الأمس، فقد أقض الفضول مضجعه، فجرى نحو جده قائلا:

- جدي! جدي! هل زال عنك التعب؟ قل لي لماذا يقتل الإنسان أخاه؟

- الجد: إجلس و تريث يا بني، سأخبرك.. إن فطرة الإنسان يا ولدي لا تدعوه ليقتل أخاه الإنسان، و لا الله أمره أن يفعل، و لكن أحيانا يكون القتل من الخير و دفع الشر، و أحيانا أخرى يكون من الشر.

- الجرو: حقا؟! و كيف يكون القتل من الخير، أليس قتل النفس حراما؟

- الجد: إنك مستعجل يا بني، على مهلك سأخبرك، إن بعض الناس يخرجون عن فطرتهم فيقومون بانحرافات، مثل إنسان يكفر بالله و يدعو الناس للكفر، أو إنسان يقتل إنسانا ظلما و جورا، أو إنسان يشرك بالله و يدعو الناس للشرك، أو إنسان يثير الفتنة، فكل هؤلاء منحرفون و الخطر هو أن يجعلوا آخرين ينحرفون معهم أو يفسدوا في الأرض، مثل حبة الطماطم الفاسدة تفسد أخواتها بفسادها، فهؤلاء شرع الله قتالهم و قتلهم، حتى يتوقف شرهم و يعتبر الآخرون لكي لا ينحرفوا. أما القتل من الشر يا بني فإما لحب أو كره، فأما لكره فكره الشخص من الحسد و الضغينة و الثأر... و أما لحب فحب المال و الطمع فيه يدفع للقتل، أو الطمع في نساء يتركهن المقتول من بعده، أو ورث يتقاسمه الورثة... و هذان الصنفان منحرفان انحرافا قبيحا فيؤثرون غرضا   قليلا من الدنيا على الآخرة، و ما مآل قاتل النفس التي حرم الله إلا      بالحق إلا نار جهنم. لكن.. يوجد أقبح من كل هؤلاء!

- الجرو: حقا؟ هل يوجد؟!

- الجد: بلى بني بلى، الأقبح منهما أن يقتل رجل رجلا بريئا أو مؤمنا ظلما و عدوانا باسم الدين و يظن أنه على حق. فكم من قاتل قتل بريئا و ظن أنه على الحق المبين، هؤلاء هم شر الخلق، يفعلون المنكرات و يظنون أنها الطيبات الصالحات، ذلك أنهم أكثر انحرافا من غيرهم، فقد عرفوا الحق على عكس ما هو عليه، فيفعلون سوءا و يقولون إنه أحسن ما نفعل، فتجد القاتل يقول الله أكبر، و أهل المقتول يقولون الله أكبر و يحسبونه شهيدا، و هذا مما أهلك البشر.

- الجرو: جدي، لماذا يعصي الإنسان ربه إن كان فضله على سائر المخلوقات تفضيلا؟

- الجد: غدا يا بني غدا، أرى النوى يقتضيني فحتى الكلام يتعبني.
        إن الصغار متلهفون للتعلم بشكل لافت، فتراهم يسألون أسئلة كثيرة و في كل المجالات و يتحمسون جدا عند معرفة الإجابات. لذلك فجرونا الصغير لا يزال يسأل، فقد سأل جده بالأمس سؤالا مهما و ها هو الآن يسأله مرة أخرى و لم ينس ذلك
.

-الجرو: جدي! لم تخبرني لماذا يعصي الإنسان ربه و قد فضله على سائر المخلوقات؟!!

-الجد: إيه يا ولدي، إنك متلهف للمعرفة سباق إليها، و إني لآمل في ذلك خيرا كثيرا .. إن الله يا ولدي خلق أول إنسان في السماء، و هو أبو البشر آدم-عليه السلام- ، ثم قال للملائكة اسجدوا له فسجدوا إلا إبليس أبى و استكبر، فقال أسجد لبشر مخلوق من طين؟ فاستهزأ به و عصى إبليس ربه فكفر فلعنه الله في الدنيا و   الآخرة و جعله من أصحاب النار، فقرر إبليس أن يغوي بني الإنسان فقال لربه لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين. فأول من أغواه إبليس هو آدم أبو البشر، و الإنسان يا ولدي كما أخبرتك لديه حرية الإختيار بين الخير و الشر فهو مخير، فصار إبليس و ذريته شياطينا يوسوسون لبني آدم ليفعلوا الشر، و لهذا خلق الله الإنسان، ليبلوه أيشكر أم يكفر، أي ليمتحنه. و كل الناس يخطؤون فيعصون ربهم، و تختلف مقادير عصيانه، فهناك من يفعل الكبائر و هناك من يفعل الصغائر.

-الجرو: إذا، فكل بني الإنسان يدخلون النار؟!!

-الجد: لا! طبعا لا يدخل الجميع للنار، فمن يدخل الجنة إذا؟ فالله خلق الجنة للإنسان. يدخل النار من فعل أفعالا لا يغفرها الله كالشرك به أو الكفر بعد الإيمان أو النفاق ... لكن الله يقبل التوبة عن عباده، فباب التوبة مفتوح، فمن يخطأ يتوب فيتوب الله عليه، و الله يحب من يخطأ ثم يتوب. و هذه هي حالة الإنسان، و قد حمل الأمانة بعد أن عرضها الله على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها، أي ظننها ثقيلة، و إنها لكذلك.

- الجرو: إن هذا الإنسان مخلوق غريب جدا!! لقد احترت منه!

-الجد: لا تحتر كثيرا يا بني، فإن كل ما في الحياة محير!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأرنوب و الثعلب آكل العشب

حرية اختيار المستقبل للشباب