الأرنوب و الثعلب آكل العشب

قصة قصيرة للأطفال:

يحكى أنه كان هناك أرنب بري صغير يعيش في غابة كثيرة الماء و الكلأ، و قد كان هذا الأرنب محبا للكلام يحدث أيا كان من الحيوانات و الوحوش التي يلقاها في الغابة.

رسم ثعلب و أرنب


و في أحد الأيام كان ذلك الأرنب في مرج أخضر من مروج تلك الغابة الغناء يرعى من عشبه و نباته و يلهو بالقفز بين أرجائه، فلقي ثعلبا يمضغ العشب فاحتار في أمره، فقال في قرارة نفسه: لأدنون من هذا الثعلب فلأنظرن ما أمره، و لا خطر علي، فإني تارك بيني و بينه مسافة فلا ينقض علي، و إن هو أراد مطاردتي لأفرن منه و إني لأسرع منه و أعرف بالجحور و المخابئ منه. فدنا منه فوجده يقضم العشب و يمضغه في فمه ثم يبتلعه فاستدار إليه الثعلب و ابتسم له، فابتسم ذلك الأرنب بدوره و قال له: مرحبا، عمت صباحا! فقال له الثعلب مثل ذلك ثم قال: لعلك احترت في أمري، ثعلب من السباع و آكل للعشب؟ فقال له الأرنب: بلى، إني كذلك، فما بالك؟ فقال الثعلب: إني خلوت بنفسي في إحدى الليالي، ففكرت في كوني من السباع و أني آكل لحوم فأتعدي على الضعيف من الحيوانات فأقتله و آكله، و نظرت في أمر العاشب من الحيوانات فاستغربت، إذ أنهم يأكلون العشب و أنا آكلهم، فجسومهم أسمنها العشب، فارتأيت أني قادر على أكل العشب بدل أن أقتل ضعيفا فأحرمه من حياته و أفجع أهله و خلانه، فقررت ذلك و إني عامل به. فقال الأرنب مندهشا: فعلا! أهو كذلك؟ جزاك الله كل خير و بارك فيك و في ذريتك، و الله إني لا أزال مفجوعا إذ صاد منذ أيام صقر جدتي بعد إذ كبرت و هزلت و قلت حيلتها و غفلنا عنها سويعة كانت تستمتع فيها بشعاع من الشمس صباحا فغافلنا الصقر فغرز فيها مخالبه و طار بها بعيدا! لو كان كل الوحوش يفكرون مثلك لسلمنا و غنمنا و عشنا في سلام!  قال الثعلب: لقد قطعت على نفسي عهدا أن أتبع الحق أيا كان و أسعى في الخير و جلبه لي و للغير ما حييت و ما استطعت و إني لأرجو أن أموت على ذلك، فما ينتفع المرؤ في دنياه إلا بما أعده لآخرته، و إنا لميتون و مقصرون فما أعددنا لها عدتها! فقال الأرنب الصغير بكل حماسة: إنك فعلا نعم المثال على المرئ الصالح، و إني لأرجو أن تصير صديقي. فقال الثعلب: طبعا، و أنا أود ذلك كثيرا، و ما نفع الإنسان بصديق إلا أن يكون صادقا وديعا مثلك!

فصار الأرنب و الثعلب صديقين حينها، ثم ودع الأرنب الثعلب على أن يلتقيا غدا عائدا إلى منزله، ثم إنه قص قصته مع الثعلب لأمه فحذرته من الثعلب قائلة: إياك و الثعلب فإن من طباعه المكر و الخديعة فلا يخدعنك! و لا يغرينك بمعسول الكلام و طيب الحديث فإن السباع لا تقدر على العيش بالعشب و ما هو إلا خادعك! فإذا ما رأيته في الغد فابتعد عنه و لا تقربه، و إن ناداك من بعيد فقل له أني مشغول و عد إلي فإن مكره لا يؤمن! فهم الأرنب الصغير بقول شيئ إلا أن دخل أبوه فسكت عن ذلك، و كان أبوه قاسيا غليظا لا يسمع معه همس من الأم و أبنائها إذا ما دخل، دائم العبوس فلا تنفرج أساريره، قاس عنيف إذا ما أغضبه شيئ و كان كثير الغضب لأتفه الأسباب. فانسل الأرنب الصغير إلى مكان من الجحر فقعد يفكر في أمر الثعلب، فقال بينه و بين نفسه: إن الأمهات شديدات الخوف على أبنائهن مبالغات فيه، و إني لأظن أن الثعلب طيب و لا نية له في إيذائي، و إني أظنه صادقا، فلو كان كاذبا خلابا لما أكل العشب، و إني لناظر في أمره مبقيا على الحذر منه كما صنعت بالأمس، أدنو منه فلا أقربه، و أستعد لأي طارئ فأفر فلا هو منقض علي و لا لاحقني. ثم نام.

 و كان إذا طلع النهار كان أول الصاحين، فإذا ما صحي خرج للمرج جاريا إلى الماء يشرب و ينضح وجهه، ثم يلبث قافزا في المرج، ثم إنه رأى الثعلب من بعيد فلوح له الثعلب بيده مبتسما، فالتفت الأرنب إلى بيته فلم ير أمه فعلم أنها لم تصح بعد، فأسرع إلى الثعلب فدنا منه فقال الثعلب: عمت صباحا يا صديقي! فرد عليه الأرنب بمثله. فقال له الثعلب: أتعرف نبات الجزر؟ فقال له الأرنب: و كيف لا أعرفه و هو أحب الطعام إلي! فقال الثعلب: لقد رأيت جزرة هناك كأن أحدهم تركها هناك. و أشار بيده لحاشية من حواشي المرج، ثم أكمل: و إنها موضوعة في زاوية ضيقة خلف المجرى المائي فلم أستطع إدراكها و قد إشتهيتها! فقال الأرنب و هو يقفز في مكانه: أنا آتيك بها فأنا قادر على القفز على المجرى! هل أريك؟ هل أريك؟ و كان هناك مجرى مائي صغير عرضه متر أو أعرض بقليل. فقال الثعلب: يا ليتك تفعل! فكم اشتهيت تلك الجزرة الجميلة! فمشيا معا حتى أدركا المكان المطلوب، و قد كان خلف المجرى شجرة عظيمة الطول و العرض، و كان من عرضها و كبرها أن كان منها سفح صغير كسفح الجبل و هو كشاطئ يطل على المجرى، كان بمساحة يستطيع الإنسان الجلوس فيها فهي متر مربع أو أقل. و لا يمكن الوصول إليها إلا بالقفز فوق المجرى المائي إذ أن أطرافها محدودة بجذع الشجرة العظيمة المتعالي في السماء. و كان الثعلب قد احتال بوضع جزرة هناك قبل ملاقاته الثعلب، فلما أراه الجزرة أسرع المسكين بالقفز مدركا الجزرة، فأمسكها بين أسنانه القارضة مستديرا نحو الثعلب فإذا به في الهواء قافز إليه مكشرا عن أنيابه مبرزا مخالبه فأدرك الأرنب أنه قد خدعه! فترك الجزرة و بدأ بالتخبط و القفز و لكن هيهات له أن يهرب و قد حاصره الخطر! فضربه الثعلب بكف رجله ثم وقف على بطنه برجليه الأماميتين مسيطرا عليه! فزعق الأرنب زعقة شديدة قوية الصدى فعرفها أبوه فانطلق من مكانه كحجر يهوي من مكان سحيق فقفز قبل بلوغ المجرى بمترين حتى هوى على رأس الثعلب مبعدا إياه عن ابنه ملتفتا إليه أن اهرب، فاضطرب الأرنوب المذعور مكانه ثم قفز فارا فسقط في الماء من شدة هلعه، ثم إن الثعلب إستدار إلى أبيه مكشرا أنيابه محاصرا له، لكن الأب كان أشد قوة و ذكاء، فاستدار إلى الشجرة فقفز قفزة عالية ثم ضرب الشجرة بأطرافه الأربعة فقفز إلى الطرف الآخر من المجرى، فأسرع إلى إبنه الذي كاد أن يغرق إلا أن أنقذه أحد أصدقاء أبيه من القنادس إذ أمسكه سده الذي بناه فحمله خارجا إلى أبيه. فحمله أبوه إلى البيت ملقنا له درسا لن ينساه من الضرب و الشتائم من كافة الأنواع.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإنسان، حوار بين ذئب و حفيده

حرية اختيار المستقبل للشباب